الأسرة المُلتزِمة ... و حُمَّى الإجهاض (!)






الأسرة المُلتزِمة ... و حُمَّى الإجهاض (!)
...لا يُمكنني تحديد معنى جيل الصَّحوة و لا حتَّى الإطار الزمني الذي شمل إرهاصات ذلك الجيل و تطوراته، كل ما يمكنني قوله من غير أن أجانب الصوَّاب أن جيل الألفية السَّابقة كانوا ممَّن تنسَّموا بوادر صحوة إسلامية لا بأس بها، وممَّا لا أشك فيه أيضا أن الصحوة إذ ذاك كانت  على ما يعتورها من الهنَّات والسَّقطات، كانت في الوقت ذاته متأججة الحماسة الدينية والتي إلى حد ما كانت على حساب ضوابط و أسس شرعية كانت مُغَيَّبَةً ، مطمورة ، و غير معروفة في جيل التسعينات و الثمانينات. كان ثمَّة جهل ببعض الجوانب الدينية و العقدية، نعم؛ جهل مدقع جعل تلك الصحوة مبتورة في العمق و لكن لم تكن تخلو تلك الفترة من ميزة جعلتنا  إلى  حد بعيد نأسف لما حدث من تطورات اجتماعية تلت تلك الفترة...

... كل ما في هذا المقال هي أفكار خدِيجَة لم أُرِد أن أئِدَها في مهدها بل تركت لها العنان محاوِلة جَهدي أن لا أطلق الكلام على عواهنه، خالطة هذه الأفكار الفتية بنظرات أحسبها فاحصة مقارنة بين جيل الأمس و الذي أخذت قبسا من نوره من وحي والدي و خلانه وجيل اليوم الذي بات سواده يملأ الشاشة، كل فكرة غير مكتملة فاللوم فيها على قِصر نظر صاحبة الكلمة  وكل عذري أنني إن أحاول إلا الإصلاح ما استطعت....
لم تكن تلك الحقبة السابقة الذكر أنموذجا فريدا في باب العلم الصحيح والعقيدة الصحيحة كانت حقبة تكاد تخلو من أمور عَدَد، و لكنها لم تكن تخلو من جوانب مضيئة أحسب لو أن تزاوجا ما حدث في الافق بين تلك الجوانب النيرة وما استُكمِل من علم بَسَط سلطانه على فترة تلتها كانت لتخرج لنا نواة أسرة ملتزمة مستوفية الشروط، أسرة جيل ما يمُد بسَبب إلى أجيال صارت قطعة من التاريخ توشك أن تُطوى ولا تُروى بعدها أبدا...
...جيلنا اليوم يعاني من أزمة مجتمع ومن أزمة أسرة  ومن أزمة زواج ومن أزمة كيان أزمات يضرب بعضها بعضا لتُضرب نُظُم التشكيلة الإجتماعية للفرد والأمة في سويدائه آخرا فتُرْدِيه يَبَسا، أزمة فهم أعرج لكل مصطلح يتيم من المصطلحات آنفة الذكر منبعها فهم أعرج للدين، نعم فهم أعرج للدين كسر بوادر النهضة التي كان يُفترض أن يكون هذا الأخير نواتها...
...لا أدري كيف يمكن أن يتهيأ لي الأمر لمعالجة موضوع بهذه الشساعة و بجبهات قتاله المتعددة وكيف يمكن إيفاء كل فكرة حقها ومستحقها ولكنني عبثا سأحاول ...
...كان الجيل الأول للأسرة الملتزمة يعاني فقرا في المادة العلمية التي تبني الأسس الصحيحة للبنة قوية عقديا ودينيا لكنه كان يملك من الصفات النفسية والآمال المتطاولة والحب والوفاء الكثير ليقطع شوطا لا بأس به في هذه البابة، كان جيلا توَّاقا تحركه نوازع أقرب ما تكون لتلك الحماسة الدينية التي كان منشؤها طبيعة الخطاب الديني آنذاك المُؤجَّج بالعاطفة ولكن كانت في الوقت نفسه قادرة على خلق أطفال أسوياء نفسيا إلى حد ما في بيئة يكتنفها الحب والوفاء الزوجي، كان الأزواج ساعتئذ مشغولين بمشروع الأسرة والنجاح التعليمي والأكادمي والأخلاقي لبنيهم وإن جانبت بعض  مفاهيمهم الصواب و كن  كان هم رب الأسرة كيفية أخذ سفينته التي يقودها لبر الأمان على شُحِّ الحاجة إذ ذاك وبُعْد الشُّقَّة ونزارة الأسباب، نعم كانت فئة لا بأس بها من الأسر الملتزمة لحد ما تتبنَّى هذه الأفكار وحققت نجاحات يُعتدُّ به في الميدان الأسري للوعي الكامن ساعتئذ بمشروع الأسرة و لأمر آخر تلك الطبيعة النفسية والقلبية التي كان يلمؤها الصفاء والفهم الحسي الصحيح للمعنى الديني من عقد الشراكة الذي أساسه ميثاق غليظ كهذا لكنَّ المؤسف أن بنيانا بمثل هذا النبل كان أساسه مكتنفا بالمغالطات والتي منشؤها الخطاب الديني أيضا المغيب للفهم الصحيح لجوانب عدد . وعلى كلٍّ فليس هدفي اليوم دراسة الجيل المنصرم ولا حتى بقاياه والتي مزال لها في الساحة مكان وحيز  لكن هدفي هو دراسة الأسر الملتزمة التي تبنت زعما اليوم صولجان العقيدة الصحيحة ومحاربة اللوث الإجتماعي الذي طغى على الساحة و بكمية الألم التي دفعتني لتجريد كل ما جردت  وما سأجرد، بكمية ذلك الألم حذوك القذة بالقذة سأفصح أن هذه الأسر عينها فشلت في أول اختبار لها والشاذ منها سنحفظه كما جرت العادة، والقياس عليه محض خبل سننوء عنه...
...لا أدري لأي جهة يجب أن تُلقى اللائمة  ولكنني ببساطة الخطاب الذي أعده يمكنني أن أؤكد أن ركيزتين جعلت جناح الأسر السائرة في طريق الإلتزام جناحا مهيضا غير قادر على التحليق في سماوات الإستخلاف الذي خُلق الإنسان ليُحققه في هذه المعمورة  أما الأول فهو الفهم الأعرج المتناسب طردا مع نزق الشباب وتهوره للخطابات الدينية وقولبة الدين  وتطويقه بشكل دام بحواجز رجعية هو منها براء براءة دم الذئب من قميص يوسف، أما السبب الثاني فهي الحماسة الدينية بقالبها الجديد والتي طغت عليه أواخر الألفية الراهنة ؛ هذه المرة قتلت هذه الحماسة وقوضت دعائم كثيرة كان من المفروض أن تكون ركائز معروفة من الضرورة بمكان لا يتمارى فيها اثنان.
...بعد أشهر عديدة إلى سنة أو اثنتان و في الحالة العادية للتكوين الأسري (1) تتعدَّى العلاقة الأسرية مرحلتها الثنائية لتصل إلى طور تكوين خلية مجتمعية هي النواة الأولى لتكوين جيل آخر لهذا الوجود، نشء إما أن يكون حجة على المرء أو عليه، قرة عين في الدنيا والآخرة أو سخنة عين في الدنيا والآخرة، مسؤولية عظيمة استأمنها الله الرجل والمرأة على السواء  يجب أن يكون الإثنان على إثرها على وعي تام أنهما سيصيخان إلى قول رباني ذات يوم مفاده أن " فقفوهم إنهم مسؤولون ". تتعدى العملية التعليمية و التربوية للأبناء ذلك المفهوم التقليدي من بناء مستقبل ونهضة وفخر أبوي بنجاح الأبناء إلى تجارة مع الله إما أن تكون رابحة لن تبور أو خاسرة تهوي بصاحبها لدركات الشقاء وتقحمه في ردغة الخبال ليوم الدين، تتعدى فكرة تكوين الأسرة و الحياة الزوجية تلك الأنانية الفردية التي يمكن اختصارها في تحقيق " الاستعفاف" و إن كانت لا تُعدَمها إلى شيء أكبر بكثير يندرج في مفهوم " الاستخلاف" .
و تتعدى عملية الإنجاب تلك الأنانية الفردية أيضا المُختزلة في مفهوم "زينة الحياة الدنيا" لتتعداها لمفهموم "الباقيات الصالحات" و إن هذا ليسير بنا حثيثا للوقوف على همم السلف ونواياهم السامقة فرحمة الله على الفاروق إذ يقول رضي الله عنه " إنما نتزوج ليخرج الله من أصلابنا ذرية تعبده"؛ إذن هي تجارة كما أسلفنا و أنت و نفسك و الميدان يا حُميدان.
إذا ما سلَّمنا بهذا الأمر بدأة ذي بدأ يمكننا أن نعلم كمية الجهل الذي يغرق فيه هذا الجيل في معرفة مفهوم الزواج و كمية العبثية التي تكتنف هذه الزيجات ومن ثمة نقف على سُخف الشروط وقصر الأنظار التي منشؤها سذاجة الفكر الذي بات طاغيا في فئام هذه الأمة المختلفة ، سنعلم أن شروط الجمال والمال (2)ستقسط عند أول امتحان أسري وسنعلم أيضا أننا سنكون أحوج ما نكون إلى العلم والتربية والثقافة وليس العلم قطعا تلك الشهادات التي صارت توزع على طبق من ذهب للقاصي و الداني فتدبر.
سأجعل بداية الحديث قبسات وشذرات من عمق عقلية المجتمع الإلتزامي الحديث لا لألصق بهم ثلمات معاذ الله ولكن معرفة الأسباب و العقليات أدعى لمعرفة الحلول أليست معرفة أدواء الناس أحرى بالخلوص للدواء،  ثم إن هذه التجارب و إن بدت يتيمة لكنها كاللمحة الخاطفة لأمور لا تحدث لماما إنما كثيرا ما تحدث في تلك الأواسط وحسبي هاهنا التمثيل لا الاستقصاء فهذا يتعب القارئ و يمله.
....إن ما يُؤسفني  صدقا عدم اهتمام الأسر الملتزمة بموضوع التربية و التعليم؛ الدعامة الرئيسة لأي نهضة يُعوَّل عليها و رحم الله حافظ إذ يقول و إذا النساء نشأن في أمية.. رضع الرجال جهالة و خمولا .وعوضا عن هذا تم حصر روح الدين في مسائل التعدد و الجدل العقيم في مسائل هي حكر على أهل العلم و خاصتهم والنسيان الكلي للب الرسالة الإلهية " وجعلناك خليفة في الأرض " و هذا يجعل الأسرة الملتزمة تعاني من متلازمة حمَّى الإجهاض التي سيأتيكم خبرُها تِباعًا...
_______
(1)    نسأل الله أن يرزق كل عقيم

(2)    نحن لا ندعو لإسقاط هذه الشروط إنما هي حرية شخصية لكن أن نجعلها الأصل والباقي عيال عليها لهو الخبل و الجهل الذي لا خبل بعده
 وكتبته أم النُّضار وتُماضر نورالهدى

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

الساوشل ميديا إلى أين؟

جنون العظمة و الكتابة

الأسرة الملتزمة ...وحُمَّى الإجهاض(2)