أحوَالُهُنَّ فِي الحُبّ -1-
مازلت
أذكرها للسَّاعة قادمة إليَّ من بعيد تمشي متلحِّفة إزارها الأسود في خفر؛ مُطرقة، ساهمة بعينين
زائغتين و كأنَّما كانت تعرج بهما إلى دنيا أحزانها التي ما تنقضي، سارحة في
سماوات مظلمة ظلاما دامسا حتَّى ما تكاد ترى فيها بارقة نور
و كنت أرمقها من بعيد أقرأ على
صفحة وجهها المشبع بنور الحب الممزوج بسهم الخيانة الذي أدمى قلبها حكاية ألمها
و أنا؛ الصَّديقة الوفيَّة للحزن أكاد لا أخطؤه، أقرؤه على أوجه المارة و أشمُّ ريحه على بعد ميل بغريزة متيقِّظة أبدا، ولا زلت أمارس منذ عهد بعيد ما يسمِّيه والدي هذيان محموم قراءة أوجه النَّاس فأهمس في أذنه أنَّ فلانا القادم من بعيد الضَّحوك مِلأ شدقيه مترع بالحزن، لكنَّه يريد أن يقهره بابتسام و أن الآخر الذي على مقربة منَّا و الذي تكاد شفتيه تطاولان السَّماء كأنَّه متضايق، برمٌ من حملهما غارق في بحر من السَّعادة و الرِّضا لكنَّه يُكابر!
لا يدري والدي للسَّاعة أنَّني مبرمة من عهد بعيد صفقة مع الحزن بحيث أنَّه يبثُّني طقوسه و يعقد معي حاسَّة سابعة أتعرَّف بها عليه، لا يدري والدي كلَّ هذا و يراهن دوما أنَّني مصابة بمسِّ جن هو .الذي لا يؤمن أنني أوتيت من الفِراسة نصيبا لم يخطِئني
كنت أحاول أن أترجم لغة وجهها من انثناءة شفتيها، تقطيب حاجبها و اتِّساع حدقتيْ عينيها ما تحاول أن تبثَّني إيَّاه بعد أن ضرب الدَّهر بيني و بينها ضربة؛ مذ ذلك اليوم الذي عرفته هو ليفرِّقني عن صديقتي التي كانت ابنة قلبي بالتَّبني.
كنت قد عزمت ليلة اتِّصالها أن لا أكسر قلبها مرَّتين فهي بعدُ مثخنة بالجراح من هول ما لاقت و يبدو أنَّني سأتنازل على حقِّ الصُّحبة الذي كان من المفروض أن أعاتبها على انتهاكه في سالف الأيام، حفاظا على حقِّ الصُّحبة عينه في موقف كهذا.
و هي؛ بحكم أنَّها تعرفني أنَّني أقرأ ما بين السُّطور المترعة بالوجع استخلصتني لتودعني شكاة قلبها بعد أن ضاقت بها السُّبل.
عجبا ما يفعل الحب، يدخل قلب المرأة بخفقة فيها معنى الزَّلزلة القلبيَّة يقلُب كلَّ حساباتها و يطوي عالمها في شخص، ثمَّ هي إن أحبَّت بصدق منحت من ذات نفسها ما يشده الممنوح نفسه حتَّى ما تبقى بعده إذا ما ارتحل و أزمع صرمه إلا ذماء روح و نفَسًا يرتفع و ينخفض بقدرة القدير لا غير.
و كذلك كانت رفيقتي حشاشة من روح، كان باديا أنَّها تدلف للموت من أوسع أبوابه مدنفة فقد أضناها _أصلح الله حالها _ الحب!
و كذلك همست هي في أذني أنَّها منحته من ذات قلبها ما لو مُنح لرجال الأرض قاطبة لكفاهم، و من تحنانها ما جعله وليد قلبها و تعهَّدته بخير ما تتعهَّد به الزوجة زوجها و الخليلة خليلها رافعة للحب ولاء لم تكن لتبرأ منه.
هؤلاء الرِّجال أطفال إذا ما أحبُّوا، أغمار تقرأ فيهم معاني الوفاء، صفحة بيضاء تنقش المرأة فيها برحيق الحب سنفونية من العطاء الذي تخاله لا ينضب، هؤلاء الرِّجال يمزجون مع تلك الطُّفولة القلبية في الحب مكر خبثاء الأطفال الذين ما تراهم إلا حسبتهم أبالسة على صغر سنِّهم فأيخذون تلك اليد التي تعهَّدتهم بناء و احتملتهم بالصَّبر ليهدموها بمعاول باسم الحب أيضا، و يلقمون ذلك الفم النَّدي الذي أشبعهم كلمات الوداد، يُلقمونه حجرا، هذا الحبُّ في المصطلح الرِّجالي جامح متوثِّب ثم لا يفتأ ينضب حتَّى ينقلب على عقبيه.
كانت رفيقتي مكلومة للدَّرجة التي جعلتها ترمي بكلِّ ثقلها علي في أول لقاء لي معها بعد أن دخل قلبها و منحته زمام أمرها، و كنت على الضُّعف الجسديِّ الذي بي أحاول أن أتلقَّاها غير متبرِّمة من وزنها الذي ألقته علي، لم يكن وزنها فقط في الحقيقة لأنَّ الظاهر أنها قد فقدت الكثير مؤخرا بل كان إلى جانبه كل تلك الأحزان التي كانت تتكأ عليها.
أخذتها و ليس بيننا يومذاك شابكة إذ كنا ملتحمتين أقرب ما نكون مذ نادمتها و نادمتني، إلى زقاق منعزل لا يرتادُه المارَّة إلَّا لِماما
و لكنَّني رغم أنني أكدت لها مرارا أنَّنا قد انعزلنا عن النَّاس
بارتيادنا هذا الزُّقاق إلَّا أنها أبت إلَّا أن تسدل بُرقعها و ليست بذات برقع حفاظا على كبريائها الأنثوي ضنينة أن يرى سوءة حزنها أحد إلَّاها ،
طوينا المكان روحة و إيابا لم يكن إلَّا الصمت نديما ،مطبقا بجناحيه علينا لأنَّنا لم نكن نملك غيره، فالحل الأمثل لبعض الصَّدمات أن ننادم الصمت و نغرق في الفراغ، كنت أود أن أزجر صديقتي، أن أعاتبها أنَّها منحت قلبها لمن لا يستحق ،كنت أودُّ أن أصفعها أيضا لأنَّني كنت أكره مازوشيتها في ذلك الحب ،كنت قد نصحتها ذات مرَّة قبل أن تزل قدمها، قلت لها هامسة رفيقتي لا تمنحي قلبك لأنَّ مهره عظيم و دونه ضياع الشَّرف و ثلمة في العرض لا تُسد، كنت قد عنَّفتها ذات لقاء قبل أن تُقدم على مقارفة خطئها أوَّل مرَّة أنَّ توصد قلبها بإحكام و تُغلِّق أبوابه، يومها ضحكت بسخرية و قالت ليس لذلك من سبيل ،كنت دوما أؤكد أن دوننا حواجز تمنعنا من الوقوع في الحب،إغضاءة الطرف و غض البصر، التعلق بالله و ملأ القلب بحبِّه عن طريق معرفة أسمائه، كنت أؤكد لها أن حب غيره خذلان، لأن قلبا امتلأ بحبه تعالى لا يُوصل إليه إلا من طريق شرعها الله لكنها كانت تؤكد لي أن هذه التعليمات أشبه بالمستحيل و أنها تجدها صكوك دينية لا تؤمن بها يروجها أصحاب العمائم باسم الشَّرف المنتحل
و لكنَّني رغم أنني أكدت لها مرارا أنَّنا قد انعزلنا عن النَّاس
بارتيادنا هذا الزُّقاق إلَّا أنها أبت إلَّا أن تسدل بُرقعها و ليست بذات برقع حفاظا على كبريائها الأنثوي ضنينة أن يرى سوءة حزنها أحد إلَّاها ،
طوينا المكان روحة و إيابا لم يكن إلَّا الصمت نديما ،مطبقا بجناحيه علينا لأنَّنا لم نكن نملك غيره، فالحل الأمثل لبعض الصَّدمات أن ننادم الصمت و نغرق في الفراغ، كنت أود أن أزجر صديقتي، أن أعاتبها أنَّها منحت قلبها لمن لا يستحق ،كنت أودُّ أن أصفعها أيضا لأنَّني كنت أكره مازوشيتها في ذلك الحب ،كنت قد نصحتها ذات مرَّة قبل أن تزل قدمها، قلت لها هامسة رفيقتي لا تمنحي قلبك لأنَّ مهره عظيم و دونه ضياع الشَّرف و ثلمة في العرض لا تُسد، كنت قد عنَّفتها ذات لقاء قبل أن تُقدم على مقارفة خطئها أوَّل مرَّة أنَّ توصد قلبها بإحكام و تُغلِّق أبوابه، يومها ضحكت بسخرية و قالت ليس لذلك من سبيل ،كنت دوما أؤكد أن دوننا حواجز تمنعنا من الوقوع في الحب،إغضاءة الطرف و غض البصر، التعلق بالله و ملأ القلب بحبِّه عن طريق معرفة أسمائه، كنت أؤكد لها أن حب غيره خذلان، لأن قلبا امتلأ بحبه تعالى لا يُوصل إليه إلا من طريق شرعها الله لكنها كانت تؤكد لي أن هذه التعليمات أشبه بالمستحيل و أنها تجدها صكوك دينية لا تؤمن بها يروجها أصحاب العمائم باسم الشَّرف المنتحل
كانت يومذاك تبدو واثقة جدَّا و كانت حدَّة كلامها في ذلك الحين تصيب أعشار قلبي، بأسف بالغ لملمت أغراضي و قلبي يلهج بالدعاء لها و ارتحلت
لكنَّني أدركت أنَّه ليس الوقت وقت تعنيف و أنَّ ربتة على كتفها اليوم كفيلة بأن ترجعها لصوابها، تكلَّمنا بصمتنا ما شاء الله أن نتكلَّم كنت أفهم إطراقها و وُجومها و حتَّى ذلك النَّشيج الذي كنت أسمعه من حين لآخر و دمعة كانت تسقط في صمت تُعلن مراسيم العزاء
هؤلاء الرِّجال يُفسدن الفتيات باسم الحب، ينتهكن حُرمة الله فيهن و يراودن قلبا فتيًّا عن نفسه حتَّى إذا ما أسلمته زمامه أورده موارد الرَّدى و الإثم و الشَّنار و الخزي، ثمَّ هو بعد ناكص عن الحب لا يلوي على شيء ،قد قطف الزَّهر و الزَّهر بعد قطفه إن لم يُتعهَّد بماء الشَّرع يسقيه يذوي و يذبل حتَّى يفقد ريحه، و هو بعد أن يذبل زاهد، زاهد فيه
هؤلاء النِّساء جاهلات في الحب، يعلوهن غبش من بريقه ، غشاوة تُسدل عليهن إذا ما وردن حِياضه، عربدة تتسرَّى فيهنَّ إذا شربوا من كأسه ، عمى يتأتَّى عليهن من سنا برقه، يمنحن بسخاء و في بذخ العطاء سعادة الحب، يجعلن من رجلهنَّ الواحد نبيَّ قلبهن يكتفين به عن الخلق قاطبة
يا معشر الرِّجال! احفظن نساء اليوم تُحفظ لكم نساؤكم، عِفوُّا تعف بناتكم، إنَّ الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من بيت أهلك فاعلمِ!
يا معشر الرِّجال! رفقا بالقوارير، رفقا بقلوبهن إنَّكم لا تعلمون إذ تكسروهن أنَّكن تكسرن أسرة بأجمعها
و أنتنَّ معشر النِّساء أحببن، لكن هونًا مَا...
و كتبته أم النُّّضار و تُماضر نورالهدى

Commentaires
Enregistrer un commentaire