أحوَالُهُنَّ فِي الحُبّ -2-
هي ما عرفت الهوى و لا عُرِّفته ، و لا ذاقت من مُدام الحبِّ رشفة
تهوي بها في غيابات الهيام و
الشوق الممتدِّ أبدا، تزوم كُلَّما نُبِّئت بحديثه ،ترغي كما الزَّبد كلَّما جمعها المجلس بإحداهن و همست لها بأقاصيصه، تُعرض، و تنأى جانبا عنه ترى فيه وحشا ضاريا ،تزأر و تعربد و في قلبها لم يكن إلَّا مواء قطَّة تخشى الأسد
الشوق الممتدِّ أبدا، تزوم كُلَّما نُبِّئت بحديثه ،ترغي كما الزَّبد كلَّما جمعها المجلس بإحداهن و همست لها بأقاصيصه، تُعرض، و تنأى جانبا عنه ترى فيه وحشا ضاريا ،تزأر و تعربد و في قلبها لم يكن إلَّا مواء قطَّة تخشى الأسد
هكذا كانت مذ عرفتها من زمن بعيد، ترى الحبَّ قبضة لا
مخرج منها و هي المتحرِّرة _زعمت_ لن تُسلم قلبها أبدا، و كان أغلظ الحديث لديها
حديثه تراها ما إن تتهامس الفتيات في حديثهن منتفضة لا تلوي على شيء بعدُ، و
الفتيات يرمقنها و في قلبهن حديث الاستغراب و الدَّهشة، ينبزنها همسًا بجلافة في
الطَّبع و قلَّة أنوثة و يرون فيها امرأة لم تُخلق كغيرها من عطر الورد و لا من
مسك الأيل و نسمة الفجر و لكنَّها خلقت من طين لازب!
صديقتي يا سادة؛ نديَّة كالزَّهر، ناعمة الملمس هيفاء
القد، عينان كالمها تخترقان غور القلب ما إن ترميك بهما، صديقتي ليست كما يقولون
صلبة الطَّبع كأجلاف الأعراب، و لا كما يهمسن سرَّا فاقدة أنوثة و لكنَّها كرشأ
الغزلان متيقِّظة من وثبة الكواسر، مذعورة أبدا، صديقتي تخاف الحب ببساطة!
أذكر يوم كنَّا في الصَّف ذات مرَّة، حين لم يكن ثمَّة
سبب صريح للبكاء لكنَّها كانت تتعاطاه بطريقة أخافتني، لا زلت لليوم أتذكَّر صورتها
و هي في تلك الحال المثيرة للشَّفقة، كأنَّ الكون كلَّة بأحزانه كان متواطئا
ضدَّها،ظننتها كانت تحتضر،لا،لا لم تكن لهذه الدَّرجة و لكنَّني أحسست رُوحها
تفعل.
سألتها و أنا أتوجسُّ خيفة ما الذي شغلك؛ لم أكن أدرك
حِينها أنَّ رفيقتي كانت تبكي حريَّتها المسلوبة في ممارسة الحياة فالمسكينة تعيش
تحت سقف يوشك أن يهوي و جدران متهلهلة، بناء أساسه جرف هار يوشك أن يهوي بها في
قعر تعاسة سرمدي، تتساءل دائما لم تتزين غرفتها بستائر قشيبة بلون وردي فاتح تحيط
بها شرائط السَّاتان، تريد صديقتي لو كانت ستائر النوافذ كما لون قلبها الرمادي
القاتم، والدها الدَّائب أبدا بممارسة رُجولته بأنواع السِّباب و الضرب المُنهالة
على والدتها صباح مساء، والدها الذي ينهل من ماء شباب والدتها العذب الرَّقراق،
يذيقها أشدَّ أنواع العذاب ، يشبع بطنه و يتصيَّد الأخطاء و الزلَّات ربّ بيت و لا
كأرباب البيوت قاطبة، يمارس ساديَّته ليقنع نفسه أنَّه مازال ذا بأس و قوَّة،
يهدد والدتها بالزواج ثانية كل لحظة؛ هو المنادم للنِّساء أبدا، لوهلة تذكرت قول الأحنف بن قيس عليه من الله شآبيب الرحمات " جَنِّبُوا مَجَالِسَنَا ذِكْرَ النِّسَاءِ
وَالطَّعَامِ ؛ فَإِنِّي أُبْغِضُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ وَصَّافًا لِفَرْجِهِ
وَبَطْنِهِ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُرُوءَةِ وَالدِّيَانَةِ أَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ
وَهُوَ يَشْتَهِيهِ "، فما الذي يحملهم للتغنِّي بهذه الأغنية أبدا، أبقيَّة
مروءة في ذماهم وراء كلِّ هذا!
سألتها: لم لا يحدث الطلاق و تنتهي الحكاية؛ لكنها
أجابتني على مضض أنَّ والدتها المسكينة لا تريد أن تحرم ابنتها تحنان الأبوَّة و
تضنُّ بها على اليتم ، و لو تخلَّصت هذه المرأة المسكينة الغريرة من ربقة رجل هو في
الإنسانية غلطة إنسانيَّة أُخْرِجَت في شكل رجل كهذا لكان هذا خيرا لها و لتلك
الفتاة التي أسرَّت لي أنَّها دائما تلهج في سجودها بدعاء تبثه أن يا ليتني ولدت
يتيمة الأب!
عجبا لهذه الحياة التي ما ينقضي منها عجب، يتيم يودُّ
بجدع الأنف أن ينظر والده و فتاة تضنُّ على نفسها أن تعيش يتما يرتدي ثوب الحياة و
لو علم أولئك لقالوا لعلَّ في اليُتم خير !إي نعم لعلَّه خير
و لقد حدَّثتني رفيقتي فيما حدَّثت، أنَّ والدها_أصلحه
الله_ عشيَّة بنائه بأمِّها أسماها كُلَّ النِّساء، و هي المسكينة ما رامت غير السَّكينة
تتلحَّفها، و جميل الذِّكر بعد الموت إذ احتملته رهقا و لكنَّه أبى إلَّا أن
يتركها بلقعا، مسكينات هنَّ النِّساء الودودات لا يردن إلَّا حسن الخلق و دماثته و
شهامة الرُّجولة و إباءها مستعففات عن بهرج من الحياة يخلب الألباب، ثمَّ هنَّ
الزَّاهدات في المادَّة أبدا يرمن الكلمة الطيِّبة و ما نحى منحاها، يُجلدن بعدُ
بسياط في شكل رجل جلف لا يخال الرُّجولة إلا في قهر أنثى.
لحا الله رجالا كهؤلاء صارت عامَّة الدَّهماء مثلهم، عُجنوا بماء الضَّيم و رأوا المرأة عندهم عوانا لكن بغير حق، و لعمري كيف إلى صلاح
من سبيل إن بُنيت البيوت على سواعد هؤلاء ممَّن يحرِّفون أخلاقيَّات الرَّحمة و
الوداد التي لابدَّ أن ترسو سفينة الحياة عليها عن مواضعها
***
جالسة معها القرفصاء في حديقة الكليَّة أنظر إلى وجهها
الورديِّ المتفتِّح في غمرة الألم ،غارقة في تفاصيله المترعة بالوجع، تُسائلني
نفسي حينا، من اغتال بسمتك رفيقتي و منع بريق غيل ثغرك الفاتن، متعجِّبة أيَّ
قلب يملكه هؤلاء الرِّجال، أجلمود صخر هو، زهرة ناضرة تتفتَّح تُقْتَل من طرف
أبيها، ينتهك إنسانيَّتها و نضارة قلبها يا الله ارحم قلوب المفجوعات من
النِّساء المكلومات اللائي منحتهن ضعفا فطريًّا لا مفر منه و جعلت في البعض منهن
خاصَّة ضعفا آخر ينمُّ عن إحساس عميق رقيق و لكنَّه يا ربِّ قد تأتَّتْه أياد خشنة
أخذته رتقا ثم تركته بددا.
يا الله امسح على قلوبهنَّ و ارزقهنَّ الصَّبر و امسح
على قلوبهنَّ كرَّة أخرى يقولون على إثرها
ما رأينا من شقاء قط
غريرة في خِدْرِ شقاها، عقدت مع نفسها الصُّلح ذات يوم و هي بَعْدُ
مرآة أمِّها أن تأخذ بناصية قلبها لتودعه سردابا أوصدته بإحكام، تترفَّق بذلك به
مبرمة مع نفسها العهد أن لن تصيبه بكسر كالذي رأته في خاصَّة والدتها!
...و لله الأمر من قبلُ و من بعد
و كتبته أمُّ النَّضار و تُماضر نورالهدى
Commentaires
Enregistrer un commentaire